«غريبة الأطوار».. قصة قصيرة للكاتبة منه نورالدين

 قصة قصيرة للكاتبة منه نورالدين
قصة قصيرة للكاتبة منه نورالدين

كنت أجلس في الليلة الماضية.. أحتسى القهوة وأنا أخوض في حوار مع عقلي الذي لا يتوقف عن إقامة ( ثورة ) يومياً، أفكر في الماضي وخائفة من المستقبل، ولا أستطيع العيش في الحاضر..

 

تلقيت مكالمة من صديقة الطفولة.. الغائبة عن ( مصر ) العديد من السنوات، أخبرتني إنها أتت لتستقر مجدداً في ( وطنها ) ولكن صوتها كان به شيء لم أستطع فهمه ولكنني شعرت به في أعماق قلبي، وبعد محادثة قليلة.. أخبرتني إنها سوف تأتي لنكمل حديثنا في منزلي..

 

الواحدة ظهراً.. أنتظر قدومها بشوق وحنين، وبعد لهفه انتظار الوقت أن يمر.. لقد وصلت، وبعد استقبالها بعناق وحب.. جلسنا لنحتسي القهوة ونكمل حديثنا..

 

أخذتني في مغامرة داخل « أسباب رحيلها » إلى الخارج.. بدأت ببعض الأسئلة المجهولة وكأنها تتمنى الإجابة بكلمة ( لا )..

 

هل أنا مريضة نفسياً ؟!

هل البشر يفزعون من التعامل معي وحقاً أصبحت غريبة الأطوار ؟!

هل حرمت من الرجوع للعيش طبيعية لا أهتم بتفاصيل الأمور ؟!

هل جننت بالفعل، أم انني واقفه على حافة الجنون ؟!

هل أعاني أزمة داخلية مرعبة !!

هل لدي القدرة على الإفلات منها والنجاة، ام إنني على وشك السقوط في الهاوية ؟!

هل سأظل في جنون المعرفة، ام أن انفجارات الزلازل ستبقى معي حتى موتي !!

 

وجهها شاحب وأثناء التحدث عيناها تتحرك في كل اتجاه وكأنها شخص منفصل عن الواقع تماماً، نظرت لي وقالت: أنت تسألين الآن ماذا حدث لي ولماذا أصبحت هكذا ؟

يا صديقتي كنت أعيش حياة سطحية مقارنة بالحياة التي أعيشها اليوم

- كيف؟!

سوف أخبرك لماذا قررت الذهاب وتركت ( وطني ) في العشرين من عمري.. السر يكمن وراء أبواب المعرفة التي إذا أسأت استخدامها يمكن أن تقوم بقتلك.. 

 

منذ الصغر كان بداخلي شيء يريد البحث عن أي شيء خارق للطبيعة ويكون ذو طبيعة غير ملموسة، طاردتني رغبة التعطش ووسواس المعرفة وشغف الاكتشاف والتنقيب في المجهول ومحاولة احتوائه، والقبض على هذا الكون من خلال التغلغل في عمق كل كلمة وحرف.

 

رفضت العيش داخل مجتمع معتقدة إنه يريد محاصرتي وتقييدي .. بسبب المعتقدات التي يتمسك بها كل فرد، محاولين فرضها على الجميع وينتقدون أي إيمان بمعتقد غير مألوف، وعندما يرون فردا خرج عن القطيع يتم الحكم عليه.

 

ولكنني أردت أن أعيش حياة اختارها على أن أعيش حياة يتم فرضها علي من قبل المجتمع، واعتقدت أنه من خلال « السفر للخارج » سأكتشف ما أريد، وبذلك سأعيش الحياة التي حلمت بها، وأنا بكامل الحرية، وبدأت بفتح أبواب المعرفة..

 

ولكن عندما كنت أتواصل للمعرفة والوعي بشيء كان يظهر المزيد ليقول أنتي مازلتي لا تعلمين أي شيء.. ابحثي أكثر.. حتى أصبح هوس إلى حد الجنون، ليزداد رفضي للواقع أكثر ويبتلعني ثقب أسود من الإنكار للحقيقة، وأتحدث لنفسي .. المجنون هو من يعيش خارج الصندوق التقليدي وهو من يغرد خارج السرب، لكنه ليس أبداً المختل العقلي

 

الجنون يغري لأنه معرفة، هذه الصور العبثية كلها تمثل في الواقع عناصر معرفة صعبة ومنغلقة وباطنية، على عكس ما هو سائد، اعتبار المجنون هو ذلك الشخص الذي يفقد القدرة على التحكم بسلوكه..

 

غريبة الأطوار هي أكثر صفة يتم وصفي بها من بعض البشر وهذه ردة فعل طبيعية على أفكار ثوريه وغير مألوفة أحملها في رأسي تجعلني أتصرف بغرابة، تتناقض تماماً مع الواقع الذي نعيشه، اعتقدت إنه يتم محاربتي من قبل بعض البشر الذين يعيشون حولي..

 

هناك من يراني جننت بالفعل، والبعض يراني أدعي الجنون كنوع من الدفاع عن النفس، والبعض ينتابه الهوس بجمال فكري، والأحاديث الكثيرة التي لا تنتهي..

 

تروني مجنونة أليس كذلك، ربما المجنون مصدر لبعض الحقائق، ربما رأي جزء من الواقع والخيال جعله على هذه الصورة، الشخص المجنون لا يكون مذنبا إذا ارتكب جريمة، إذًا اتركوني أرتكب جريمة بحق نفسي وهي المعرفة، اتركوني داخل جنون المعرفة.. حتى انفصلت عن الواقع تماماً، وبدأت أعيش في ( عالم خاص ) وحيدة وخائفة..

 

الفترة الأخيرة قبل رجوعي « للوطن » ظهر الكثير من التناقضات بداخلي، وقت أكون من المحلقين في السماء ليأتي بعدها انفجار بركاني يكتسح ما بداخلي، وعندما تنتابني الأزمات الروحية يصبح العقل فقط من يتحدث لأنتهي في النهاية بقول.. انت بالفعل جننتي يا فتاة !!

 

ولكني مازلت مؤمنة بأن كل أزمة تأتي ومعها صحوة روحية لاحقة.. لذلك قررت الرجوع إلى « مصر » لأتعافى بجانب أسرتي وأصدقائي وأحبتي، لقد فقدت الكثير  أثناء رحلتي للخارج.. أردت محاولة استرداده

 

أدركت أنني من سجنت نفسي بنفسي، وأسقطت كل هذا على المجتمع، لطالما كنت حرة في كل شيء منذ ولادتي.. بغض النظر عن المكان أو الزمان « أنا أمتلك حرية الاختيار» .